مقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الجنة
الشيخ محمد صالح المنجد
19/6/1430
عناصر الموضوع:
1. الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الجنة.
2. بيان حكم السندات المالية والحلول الشرعية.
3. توجيهات للاختبارات.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد ..
الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الجنة
فقد ابتلانا الله بهذه الحياة الدنيا لينظر كيف نعمل، وجعل -سبحانه وتعالى- بعدها داراً أخرى فيها عجب العجاب، حدثنا بما أعد فيها من النعيم، لتتحرك الأرواح إلى بلاد الأفراح، وكل نعيمٍ في الدنيا ففي الجنة ما هو أكمل منه ولا تشابه بين النعيمين إلا في الاسم أحياناً فقط، وأما الحقيقة فبينهما أعظم مما بين السماء والأرض من الفرق، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء ". ابن عساكر (1194), وصححه الألباني في صحيح الجامع (5410).
وكل ما في الدنيا من الأنهار والسرر والفرش والأكواب، مخالف لما في الجنة مما أعده الله -سبحانه وتعالى- ، ففي الدنيا بناء وفي الجنة بناء، لكن شتان ما بين البناءين، بناء الدنيا يقضي الإنسان سحابة من عمره حتى ينجزه، فإذا أنجزه ظل عرضة للفساد والانهيار، والترميم والإصلاح، يرى خللاً في تصميمه، وخللاً في تنفيذه، ويعاني من ضيقٍ هنا، ومن وحشة هناك، أما بناء الجنة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((الجنة بناؤها لبنة من فضه، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر - شديد الرائحة-، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران)).رواه أحمد في مسنده (2/304) والترمذي 4/580، برقم (2526) وصححه الألباني.
قال الله -عز وجل- : {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}(الصف: من الآية12).
ليس فيها خبث، ولا هذه الروائح من المجاري ولا الأوساخ، ولا آثار الانسدادات، بيوت أهل الجنة خيام ليست من القماش، لكنها من اللآلئ المجوفة، كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن، فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضا)). رواه مسلم (2838).
فهل رأيت يا عبد الله لؤلؤةٍ في الدنيا متراً في مترٍ فضلاً أن ترى هذه الستين ميلا.
وأنهار الدنيا يعتريها ما يعتريها من التلوث بالنجاسات، والأتربة والملوحة، بل الجفاف والانحسار وأما أنهار الجنة فهي {مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } (15) سورة محمد ، والكوثر حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحاً من المسك، وماءه أحلى من العسل، ولونه أشد بياضاً من الثلج، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (الكوثر:1) .
ونساء الدنيا وما أدراك ما نساء الدنيا بالنسبة إلى نساء الجنة، فنساء الدنيا فيهن من أنواع الاعوجاجات لا تستقيم لك على حالٍ أبدا، وكذلك فإن ما فيها من النقص مكدّر بهذا العوج في التفكير وهذا النقص في الجمال الذي يذهب شيئاً فشيئا، وكذلك ما يكون فيهن من عيوبٍ وفي الرجال عيوب كثيرة أيضا، والشاهد المقارنة، ففي نساء الدنيا من الحيض والنفاس والبول والعذرة والعرق وسيء الرائحة أحيانا، وأما في الجنة فإن الله -سبحانه وتعالى- جعلهن مطهرات أخلاقهن مطهرة، قال -سبحانه وتعالى- : {عُرُباً}(الواقعة: من الآية37) : متحببات لأزواجهن بالأخلاق الحسنة،{ أَتْرَاباً}(الواقعة: من الآية37) في سن واحدة.
{ أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ }(البقرة: من الآية25). من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط والمخاط والروائح الكريهة.
ليس فيهن عيب ولا دمامة، حسان في الشكل حسان في الأخلاق
{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}(الرحمن: من الآية56) . لا تنظرن إلى غير زوجها.
{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن:72) .لا يخرجن منها.
إنما هي معدّة لزوجها، تستقبله في كل حين، فإذا جاءها لا يمكن أن يراها غائبة في عملٍ خارج البيت، أو في زيارات أو هنا وهناك في صفقٍ في الأسواق وغيرها، بل هي مستعدة لزوجها في غاية القوة والنشاط له، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا –خمارها-عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) البخاري (2769).
فهذا النصيف والخمار فما بالك ببقية اللباس .
وإذا كان أهل الدنيا يعجزون ويكسلون في الجماع وكذلك المرأة إذا حاضت ونفست لا تؤتى، وما فيها من الدم ليكون في ذلك ابتلاء، وأما في الجنة فقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((يُعْطَى أَحَدَهُمْ قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ)). أحمد (4/367) والطبراني في الكبير (5005). بإسناد صحيح.
فيا خاطبَ الحسناء إن كنت راغبا
فهذا زمان المهر فهو المقدمُ
وأقدِم ولا تقنع بعيش منغص
فما فاز باللذات من ليس يقدمُ
وفي هذا تحميس بالغ لأهل الدنيا ليعملوا، ونساء الدنيا إذا دخلن الجنة خير من الحور العين بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن وحجابهن وصبرهن.
في الدنيا ملك وفي الجنة ملك، فأما ملك الدنيا فإنه يزول ويعتريه النقص وتذهب به الأزمات المالية، وهكذا هو مكّدر بما يحصل فيه من الخسائر، أما ملك الآخرة فقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ)). متفق عليه. ((مَوْضِع سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا)). البخاري (2892).
هذا موضع سوط ! ، {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} (20) سورة الإنسان . وهو ملك لا يفنى ولا يزول، لا ينقص لا يذهب إلى ورثة، لا يغتصبه الغاصبون، ولا يعدو عليه العادون، فهو موفر لصاحبه، دائمٌ، ملك الجنة ملك عظيم .
طعام الدنيا وما أدراك ما فيه من التعب في تحصيله، وعند أخذه ومضغه وأكله والآفات التي تعرض بسببه، ثم ماذا يكون بعدما يؤكل لو كان طعاماً ؟ قال -عليه الصلاة والسلام- : ((إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلاً لِلدُّنْيَا, وَإِنْ قَزَّحَهُ وَمَلَّحَهُ -أي: وضع فيه الملح والتوابل-, فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ)). أحمد (20733), وصححه في الصحيحة (382).
بعد هضمه وكيف يجتمع فضلات ثم يخرج.
ثم ماذا ينبني على الإسراف فيه وماذا يترتب من الأضرار، ((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ)). الترمذي (2380).
وهذه الأدواء في الناس من السكرِ وغيره بسبب هذه الأطعمة والأشربة، وأما في الجنة فهو طعام طيب {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} (21) سورة الواقعة، وكذلك الفواكه {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} (20) سورة الواقعة، وكذلك أنواع اللذات وتنوع المطاعم بلا ضرر، والأكل يُعطى فيه شهوة مائة، ويجلس بعض الأغنياء اليوم على سفرةٍ تمد فيها أنواع الأطعمة فلا يمد يده إلا إلى شيء يسير ونظره بحسرة .
طعام الجنة قطوفه دانية، لا يحتاج إلى عناءٍ في تحصيله، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} (الإنسان:14) .
قال مجاهد: قريبة الأغصان، يتعاطاه فيدنو القطف إليه والعنقود ويتدلى الغصن كأنه سامع مطيع كما قال الله {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (54) سورة الرحمن ، والثمر هو الجنى، إن قام ارتفعت بقَدْره، وإن قعد تَدَلَّتْ له حتى ينالها، وإن اضطجع تَدَلَّت له حتى ينالها، فذلك قوله: (تَذْلِيلا).
{وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} (15) سورة الإنسان، كما صبرتم على صحاف الدنيا من الذهب والفضة فلم تأكلوا منها فخذوها الآن حلالاً هنيئاً مرئياً يطوف عليهم فيها الخدم، الخدم في الدنيا وما أدراك ما الخدم، فهذه تضع السم وأخرى تؤذي أولاده وتلك تكيد لامرأته وهذه تسرق من أموال أهل البيت وأخرى تهرب بأموال الكفيل وهذه تُدخِل أجنبياً إلى البيت وهذه تأخذ من نجاساتها فتضع في طعام أهل البيت لأن الساحر علمهم في تلك البلد أن وضع ذلك يجلب محبة أهل البيت وتعلقهم بها، وأنواع من الإيذاء، خدم أهل الجنة، {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} (الإنسان:19) . خدم أهل الجنة، يستقبلونهم سلام عليكم، خدم أهل الجنة يطوفون عليهم بهذه الأكواب وهذه الأباريق، يطوفون عليهم بأنواع الأطعمة يخدمونهم بأنواع الألبسة، شراب الدنيا فيه منغصات كثيرة، فمنه ما يسبب المغص في البطن وارتفاع السكري، وأنواع الآفات، لكن أشربة الجنة {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً}(محمد: من الآية15).
{يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}(الإنسان: من الآية5).
آنية الدنيا تنكسر، آنية الدنيا تصدأ، آنية الدنيا تضيع وتسرق وتتلف، آنية الدنيا لها أعمار مثل أعمار العباد تنتهي، وأما آنية الجنة، {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} (الإنسان:15).{قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ} (16) سورة الإنسان ، القوارير: زجاجية شفافة، فكيف الجمع بين الفضة والشفافية، عجب ليس في الدنيا شيء من هذا أبداً،{قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} (16) سورة الإنسان.